‎العجوز ‏والبقّال


تَولّت عجوزٌ إلى الظل بجانب حانوتِ بقالة في ظهيرةِ يوم شديد الحرارة، كانت تجُر أزيَد من ستين سنة من أثر الدهر بكل خيباته وانكساراته بعكاز معقوف رأسه، تتمايل شمالا ويمينا من شدة الحر والتعب والعطش.. لكنها تقاوم السقوط!. كان البقّال يتأمل حال هذه العجوز فرقّ قلبه ورثى لحالها، فتقدم نحوها مُقدّما لها كرسيا ترتاح عليه وقنينة ماء لتروي ظمأها فشكرت له صنيعه ودعت له بالخير والبركة ثم اجهشت بالبكاء!.

ما يبكيكِ يا حاجّة؟ سألها البقال.
استعادت العجوز أنفاسها بصعوبة ثم أخذت تسرِد قصتها للبقال وكيف أن صاحبةَ البيت طردتها من بيتها ورمتْ لها متاعها إلى الشارع لأنها لم تدفع ثمن الإيجار أو ما تبقى عليها منه والمقدّرةِ قيمته ب 4000 دج!.
يا إلهي! أليس في قلوب العباد رحمة؟!، قال البقال، ثم سألها إذا كان هناك أحد يعولُها أو يقوم على شأنها، فصمتت العجوز وكأنما داسَ على قلبها.
تركها البقال لحظةً لحالها ودخل حانوته وأخرج من دُرجِه 1000دج، يبدو أن هذا كل ما جاد به اليومُ عليه في ظل هذا الركود الكبير وعزوف الناس عن التسوّق وزهدِهم في زيارة بقالته!.
قدم ورقة الألف دينار إلى العجوز بكل فرح وسرور راجيا أن يكون قد سد ثغرة من ديْنها الذي عليها، وأكد لها أنها ستحصل على الباقي من وجوه الخير، وما أكثرَهم، وسوف تعود إلى بيتها هانئة مطمئنة.
بعد ساعة قَدِم زبون دائم فرأى العجوز وهي تهُمّ بالرحيل، فقضى حاجته ثم قصّ على مسامع البقال قصة مختلفة تماما عن هذه العجوز..
أخبره بأنها جارتُه وأنها تملِك من المال ما يجعلها تعيش كالملوك، العجوز تملك ثلاث عقارات من فئة 200 إلى 300 متر مربع، ولها معاشين من زوجها الراحل بالدينار واليورو مجموعهما يصل إلى 300 ألف دينار (30 مليون)، ولها ابن يعيش في أوروبا يرسل لها ما يكفيها ويزيد ويترجاها دائما أن تذهب للعيش معه في أوروبا، ولها ابن آخر يعيش بجوارها ويملك شركة تدر عليه الملايين.
العجوز غارقة في المال لكنها تأبى إلا أن تتسول وتحتال على الناس لأجل دراهم معدودة.
أمسك البقال رأسه آسفا على ورقة الألف دينار التي تم نهبُها من دُرجِه بدمعتين من دموع التماسيح!.

تعليقات

التدوينات الأكثر زيارة

ألم ألمَ بالجزائر

برامج ويندوز vs برامج لينكس

حادثة المروحة

مطلوب أستاذ مشرف !!

مئوية ميلاد مصطفى بن بولعيد